ما الذي يدفع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى اختتام جولته العربية والدولية في الجزائر، وقضاء يومين فيها، بينما اقتصرت زيارته إلى مصر التي يوجد فيها نظام حليف وموال له على ساعات فقط؟ وما الذي يجعل بلداً كالجزائر، عرف دائماً بسياسته الخارجية المتحفظة، وغير المتسرعة، يستقبل، على الرغم من معارضة شعبية داخلية واسعة، أميراً سعوديا تحوم شكوك كثيرة حول ضلوعه في اغتيال صحافي أعزل بطريقة وحشية؟ ما يُبعد اليوم بين السعودية والجزائر أكثر مما يجمع بينهما، فالجزائر تربطها علاقات تاريخية متميزة مع إيران التي تعتبرها السعودية عدوها الأول، قبل إسرائيل، في المنطقة.
والجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي ظلت تربطها علاقةٌ قوية مع نظام بشار الأسد الذي كانت السعودية تسعى إلى إطاحته. والجزائر من بين الدول القلائل في المنطقة العربية التي ما زالت ترفض كل أشكال التطبيع مع إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، بينما يعتبر ولي العهد السعودي من بين عرابي ما تسمى “صفقة القرن” التي تسعى الإدارة الأميركية إلى فرضها على حساب الحقوق التاريخية للفلسطينيين.
و”الجزائر من بين الدول العربية القليلة التي رفضت الانضمام إلى ما يسمى “التحاف العربي” الذي تقوده السعودية والإمارات” ويخوض حربا مدمرة ضد اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات. كما أنه سبق أن رفضت الجزائر الانضمام إلى ما يسمى “التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب”، والذي تقوده أيضا السعودية، وضم في بداية تأسيسه 41 دولة، قبل أن تنسحب دول عديدة، أو تجمد عضويتها فيه. وفيما ظلت الجزائر ترفض أي تدخل عسكري بقيادة فرنسا في شمال مالي، بمحاذاة حدودها الجنوبية، منحت السعودية مائة مليون دولار إلى ما تسمى “القوة المشتركة لدول الساحل” التي تقودها فرنسا لمحاربة المجموعات المتطرّفة في مالي والبلدان المجاورة!
وبعيدا عن الاختلاف في المبادئ والمواقف والسياسات، وإذا تحدثنا بلغة المصالح، فقد خرقت السعودية اتفاق الجزائر الذي لم يمض على توقيعه سوى شهرين (جرى يوم 23 سبتمبر/ أيلول 2018)، بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها من المنتجين المستقلين، ومنهم روسيا، والذين تعهدوا بموجبه بعدم الزيادة في إمدادات النفط.
لكن السعودية، ونزولا عند ضغط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على حكامها، اضطرت إلى رفع إنتاجها، نهاية الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى 54 دولارا للبرميل الواحد، بينما كان سعره 82 دولاراً، أي خسارة 28 دولاراً تحتاجها اقتصاديات دول، مثل الجزائر، تواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية صعبة، وتعتمد على صادراتها من النفط فقط لسد حاجيات شعبها.
وبعيدا عما يفرق اليوم بين السعودية والجزائر، فإن تاريخ علاقتهما شهد توتراتٍ عديدةً، ما زالت آثارها لم تنمح بعد، فالجزائر على الرغم من أنها لم تعاد السعودية علانية، إلا أن مساندتها مصر جمال عبد الناصر في حربه في اليمن، وفي محاولة فرض زعامته في المنطقة العربية، جعلت الرياض تصنّف الجزائر ضمن المعسكر اليساري والثوري العربي، وعملت كل ما فيما الذي يدفع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى اختتام جولته العربية والدولية في الجزائر، وقضاء يومين فيها، بينما اقتصرت زيارته إلى مصر التي يوجد فيها نظام حليف وموال له على ساعات فقط؟ وما الذي يجعل بلداً كالجزائر، عرف دائماً بسياسته الخارجية المتحفظة، وغير المتسرعة، يستقبل، على الرغم من معارضة شعبية داخلية واسعة، أميراً سعوديا تحوم شكوك كثيرة حول ضلوعه في اغتيال صحافي أعزل بطريقة وحشية؟
ما يُبعد اليوم بين السعودية والجزائر أكثر مما يجمع بينهما، فالجزائر تربطها علاقات تاريخية متميزة مع إيران التي تعتبرها السعودية عدوها الأول، قبل إسرائيل، في المنطقة. والجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي ظلت تربطها علاقةٌ قوية مع نظام بشار الأسد الذي كانت السعودية تسعى إلى إطاحته. والجزائر من بين الدول القلائل في المنطقة العربية التي ما زالت ترفض كل أشكال التطبيع مع إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، بينما يعتبر ولي العهد السعودي من بين عرابي ما تسمى “صفقة القرن” التي تسعى الإدارة الأميركية إلى فرضها على حساب الحقوق التاريخية للفلسطينيين.
و”الجزائر من بين الدول العربية القليلة التي رفضت الانضمام إلى ما يسمى “التحاف العربي” الذي تقوده السعودية والإمارات” ويخوض حربا مدمرة ضد اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات. كما أنه سبق أن رفضت الجزائر الانضمام إلى ما يسمى “التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب”، والذي تقوده أيضا السعودية، وضم في بداية تأسيسه 41 دولة، قبل أن تنسحب دول عديدة، أو تجمد عضويتها فيه. وفيما ظلت الجزائر ترفض أي تدخل عسكري بقيادة فرنسا في شمال مالي، بمحاذاة حدودها الجنوبية، منحت السعودية مائة مليون دولار إلى ما تسمى “القوة المشتركة لدول الساحل” التي تقودها فرنسا لمحاربة المجموعات المتطرّفة في مالي والبلدان المجاورة!
وبعيدا عن الاختلاف في المبادئ والمواقف والسياسات، وإذا تحدثنا بلغة المصالح، فقد خرقت السعودية اتفاق الجزائر الذي لم يمض على توقيعه سوى شهرين (جرى يوم 23 سبتمبر/ أيلول 2018)، بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها من المنتجين المستقلين، ومنهم روسيا، والذين تعهدوا بموجبه بعدم الزيادة في إمدادات النفط. لكن السعودية، ونزولا عند ضغط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على حكامها، اضطرت إلى رفع إنتاجها، نهاية الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى 54 دولارا للبرميل الواحد، بينما كان سعره 82 دولاراً، أي خسارة 28 دولاراً تحتاجها اقتصاديات دول، مثل الجزائر، تواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية صعبة، وتعتمد على صادراتها من النفط فقط لسد حاجيات شعبها.
وبعيدا عما يفرق اليوم بين السعودية والجزائر، فإن تاريخ علاقتهما شهد توتراتٍ عديدةً، ما زالت آثارها لم تنمح بعد، فالجزائر على الرغم من أنها لم تعاد السعودية علانية، إلا أن مساندتها مصر جمال عبد الناصر في حربه في اليمن، وفي محاولة فرض زعامته في المنطقة العربية، جعلت الرياض تصنّف الجزائر ضمن المعسكر اليساري والثوري العربي، وعملت كل ما في وسعها على إضعافه، وتقوية معسكر الاعتدال الذي كانت تقوده. وطوال عقود طويلة، شهدت العلاقات بين البلدين توترات كبيرة، تمثلت أحيانا في الاصطفافات والتحالفات العربية، وفي النقاشات الحادة بينهما داخل جامعة الدول العربية، وفي حروبهما الكثيرة بالوكالة التي كانت رحاها تدور بعيدا عن حدودهما في أنحاء مختلفة من العالم. في أفغانستان، حيث كانت السعودية تدعم الموقف الأميركي، بينما كانت الجزائر تساند موقف الاتحاد السوفييتي البائد. وعملت المخابرات السعودية على تجنيد شباب عربي كثيرين، منهم جزائريون، حطبا لتلك الحرب التي كانت تدور بالوكالة بين معسكرين عالميين. أما في أميركا اللاتينية فقد اختارت الجزائر أن تساند حركاتها التحررية، بينما تورّطت السعودية في دعم حروب وكالة المخابرات الأميركية ضد الأنظمة التقدمية والحركات الثورية في تلك القارة.
وفي أثناء حرب الخليج الثانية، عندما غزا صدام حسين العراق، اصطفت الجزائر وراء العراق، ورفضت الانضمام إلى التحالف الدولي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة انطلاقاً من الأراضي السعودية. وعندما أتيحت للرياض فرصة الانتقام من الجزائر، جندت إيديولوجيتها الوهابية لتأطير الشباب الجزائري الذي تورّط في أعنف حرب أهلية شهدتها بلادهم في تسعينات القرن الماضي بين الدولة وأجهزتها من جهة و”جبهة الإنقاذ الإسلامية” من جهة أخرى. وعمل الإعلام السعودي آنذاك على الدعاية للأذرع العسكرية للجبهة الإسلامية، ولم يكن يتردّد في وصف أنصارها “مجاهدين”، وتمخضت تلك الحرب الأهلية التي لم تندمل جراحها عن أكثر من مائتي ألف قتيل، وفقا لإحصائيات شبه رسمية. وقد بدأت أصوات جزائجمال خاشقجي
رية رسمية شاهدة على تلك الفترة توجه الاتهام، ولو بخجل، إلى السعودية بالوقوف وراء تلك الحرب الدامية.
مع كل ما سبق، ما الذي حمله بن سلمان إلى الجزائر، في زيارته التي لم تكن مبرمجة إلى بلد يفرق بينه وبين عقيدته السياسية تمايز المبادئ، واختلاف المواقف، والتباعد السياسي، وتضارب المصالح؟ هل يمكن إيجاد حل لكل هذه المشكلات المتراكمة، والتي يتداخل فيها التاريخي والإيديولوجي والاستراتيجي والسياسي والاقتصادي في إطار زيارة خاطفة؟ وما مصلحة البلدين من هذه الزيارة إذا لم يكن في وسعها إيجاد أرضية مشتركة للحوار القائم على احترام الاختلاف القائم وعدم المس بالمصالح المتضاربة؟ بالنسبة لمحمد بن سلمان، غرض زيارته واضح، تلميع صورته بعد ما أصابها على أثر شبهة تورّطه في جريمة اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول. لكن ربما هناك ما هو أبعد، حيث سعى بن سلمان الذي اختار أن يختم أول جولة عربية ودولية، يقوم بها خارج بلاده منذ حادث الجريمة البشعة، بأن يبعث رسائل ملغزة من العاصمة الجزائرية إلى المغرب الذي رفض رسميا استقباله، من خلال اللعب على حبل العلاقات المتوترة بين الرباط والجزائر. وبالنسبة للنظام الجزائري، لسان حاله يقول “لم آمر بها ولم تَسُؤْني”، وهو يتابع عن كثب إعادة تشكل العلاقات المغربية السعودية في زمن فارق الاصطفاف فيه واضحٌ ما بين المبادئ والمواقف، وهذه المرة اختار المغرب الانحياز إلى جانب المبادئ، بينما اختارت الجزائر القفز، ولو فترة قصيرة، فوق مبادئ ثورة مليون ونصف مليون شهيد.