سارة وينمان
ترجمة س. السالمي
في ما يلي إطلالة على ما يجري في عالم نشر الكتب: في الخريف الماضي، بينما كنت في جولة للتعريف بكتاب، سألني أحد المحررين في في دار النشر “پينغوين بوكس” إن كنت مستعدة لقراءة رواية مشرفة على الصدور. وفي حال أعجبتني، أن أقدم إقرارًا (أو أو ما يطلق عليه عادة “التعريف بالكتاب”). قلت إنني سألقي عليه نظرة. بعد ثلاثة أيام وصلتني نسخة مسبقة من “آديل” للكاتبة ليلى سليماني، ومعها موعد نهائي لتقديم التأييد.
انتابتني سعادة غامرة لقراءة “آديل”. لقد سبق أن قرأت وأستمتعت بـرواية “المربية المثالية” لسليماني التي نُشرت العام الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية. استحوذت “المربية” على مخيلة الكثير من الناس بسبب كتابتها المقلقة وملاحظاتها الصارمة، فضلا عن موضوعها الشائك، الذي بدأً بالمولود الميت، وسلط الضوء على فوارق العرق والنوع والانتماء الطبقي. لهذا كنت أعتقد ــ أو آمل ــ أن تكون “آديل”، وهي أول رواية لسليماني نُشرت بالفرنسية سنة 2015 وأحرزت على جائزة “المامونية” المغربية، ممتعة بشكل مماثل. سيما أن الفرضية، حول امرأة متزوجة في قبضة الإكراه الجنسي خارج نطاق الزواج، تتناسب تماماً مع قصص الجريمة الخفية التي أحب قراءتها.
بعد قراءة بضع صفحات، عرفت أنني لن أرسل تعريفاً بـرواية “أديل”. واصلت القراءة على أمل أن يتغير رأيي، لكن ذلك لم يحدث. لم أكن أستطع أن أؤيد رواية كرهتُها لهذه الدرجة. بعد بضعة أشهر، تساءلت عن جذور ردة الفعل تلك، خصوصاً أن جوابي عندما أُسأل لماذا لا أحب كتابًا كان دائماً أنه “لا يناسب ذوقي”، لكن رواية سليماني ذهبت بي إلى أعمق من ذلك، وأكثر عمقًا. لم تكن ردة فعل على مستوى الدماغ فقط، بل إنها متأصلة.
إذا قارنا السطور الأولى للروايتين، “مات المولود” من رواية “المربية المثالية”، مع “آديل كانت طيبة”، من رواية “آديل”، فإن الأول رائع وصادم، ويبعث على الاسئلة من قبيل: لماذا مات المولود؟ كيف مات المولود؟ إنه واضح للغاية. وبالطبع تريد معرفة المزيد. أما الثاني فهو أكثر سلبية، ويوقف السرد، ويثير ردود فعل من قبيل “وماذا بعد؟”، لأن القارئ ليس لديه سياق يهتم فيه بأسباب كون هذه المرأة سيئة، أو ما إذا كانت سيئة، أو ما إذا كانت انفعالاتها مهمة.
البداية للأسف نذير لما تعانيه بقية هذه الرواية. نتوقع أن شخصًا مثل “آديل” ــ ناجحة ظاهريًا، بزواجها من رجل جرّاح مفعم بالحيوية، ومسيرتها الواعدة في مهنة الصحافة، وأطفال رائعين ــ تعاني من فراغ داخلي، لا يمكن غمره إلا مؤقتًا، من خلال لقاءَات جنسية بالصدفة. يُراد من هذا الإنفصام أن يكون خارقاً، سيما في غياب أي تفسير للرغبات الجنسية لـ “آديل” خارج نطاق الزواج. إلا أنه ليس كذلك.
اللقاءَات، مع تراكمها، تصير مملة. لعل هذا ما تود سليماني إيصاله من أن الجنس لن يحل المشاكل، وأن الرضوخ للرغبات البدائية يمكن أن يجعلك إسانا بئيسا. إذا كان الأمر كذلك فهذه نقطة سبق أن أثيرت مرات عديدة في الروايات الأدبية (وفي المذكرات) وأفضت إلى نتائج أكثر عاطفية بكثير. عبر السرد تزحف “آديل” على موجة من التخدير، من النوع الذي ينفذ بشكل أفضل في ““The Story of O” من تأليف “بولين ريج”، أو “إليزابيث ماكنيل” في “تسعة أسابيع ونصف” أو الأعمال الكاملة لـ”أنايس نين”.
“آديل” ليست لطيفة، ولكن هذا أيضًا غير ذي أهمية. إنها بالكاد تمثل شخصية في الرواية، وبالتالي ليس هناك شيء مهم يدفع القارئ للتفاعل معها. والأسوأ من ذلك، أن جميع الشخصيات الأخرى ـ زوجها وأبناؤها ومحبوبها الطائش ــ كلها شخوص ضعيفة البناء. عند قراءة “آديل” ــ بعيدا عن “المربية المثالية” ــ تشعر وكأنك وسط تمرين في التدريب المسرحي. حرك هذه في هذا الإتجاه، وحرك هذا في ذاك، وانظر ماذا يحدث. إذا حدث.
أؤكد أنني لا أختلف مع الروايات التي تنقلني إلى عوالم جديدة ومفاجئة، والإيروتيكية أحياناً. إن المغامرة الجنسية تكشف الكثير عن الشخصية، سواء كانت متجذرة في الرومانسية أو الكراهية أو الإحراج أو حتى الفكاهة. ليس هناك شيء أكثر إثارة مما هو يحدث عندما يلامس الكاتب، من خلال صوته وجمله الفريدة، حقائق عاطفية عميقة من خلال التواصل بين شخصين بقلبيهما وعقليهما وجسديهما.تتحول لذة النص إلى متعة في عقل القارئ، ما يُمكِّنه من ممارسة نوع السلطة، رغم أن الامور تتم غالبا بشكل غير مريح.
مباشرة بعد الانتهاء من “آديل”، وضعت الكتاب، وأخذت رواية “تسعة أسابيع ونصف” وأعدت قراءتها للمرة الثانية عشرة. وبعدها مباشرة أعدت قراءة “المربية المثالية” لكي أرى إن كان رأيي في تلك الرواية قد تغير، وفعلاً لم يتغير. ربما، مع مرور الوقت، سينظر القراء إلى “المربية المثالية” كيأول مجهود فعلي لسليماني، وينسوا أن “آديل” وُجدت يوماً.
“سارة وينمان” روائية وصحفية وممثلة أمريكية، ألفت 24 رواية، وتعتبر من أبرز النقاد الامريكيين تأثيرا في الوقت المعاصر وهي كذلك ناشرة سلسلة . “Women Crime Writers”.
Soyez le premier à commenter