كريستوفر روس، الصحراء الغربية، المغرب،
الاثنين, 09 أيلول/سبتمبر 2013
ترجمة: موقع “لكم. كوم”
في الوقت الذي تتداول فيه مصادر إعلامية الحديث عن وجود صعوبات في المفاوضات التي يديرها كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين للأمم المتحدة، المكلف بقضية الصحراء، ينشر موقع “لكم. كوم” نص حوار- وثيقة مع المبعوث الأممي سبق أن أجري معه مطلع عام 2012، ولم يسبق له أن نشر في أية وسيلة إعلام، كما أنها المرة الأولى التي يترجم فيها إلى العربية، وفيه يطرح كريستوفر روس وجهة نظر من الصراع: كيف وجده، مقاربته لإدارة التفاوض، رؤيته للمستقبل.
وبالرغم من مضي سنة وثمانية أشهر على الحوار الذي أجري يوم 25 يناير من عام 2012 (نص الحوار موجود بالموقع الإعلامي للأمم المتحدة) فإنه ما زال يمتلك راهنيته السياسية، سيما انه تنبأ بما يقع في دول جنوب الصحراء والساحل. لكن الميزة الكبرى للحوار هي أنه يضع قضية الصحراء في مسارها الحقيقي بعيدا عن الآراء والآراء المضادة … ولا شك أن القارئ المتابع للملابسات السياسية والدبلوماسية للملف تجعله يقف على صلب الخلاف والمؤشرات الحقيقية للتسوية السياسية العادلة.
سياق إعادة نشر هذا الحوار يأتي في الوقت الذي تسربت فيه أنباء عن كون الأمم المتحدة تدرس صيغة جديدة لتحريك مفاوضات السلام للبحث عن حل لنزاع الصحراء، وقد تكون بتولي أو مشاركة الأمين العام لهذه المنظمة بان كيمون جلسة المفاوضات المقبلة، وذلك بعدما يروج حول فشل مبعوثه الشخصي في النزاع كريستوفر روس الجمع بين الأطراف المعنية بالنزاع والخوف من انفلاته من السيطرة السياسية إلى المسلح.
وفيما يلي نص الحوار الوثيقة:
ما هي بنظركم أسباب الخلاف في إقليم الصحراء الغربية؟
كما تعلمون، فإن الصحراء الغربية – التي تقارب مساحتها مساحة بريطانيا العظمى وتتوفر على سكان لا يتراوح عددهم بعض مئات الآلاف من السكان – كانت في السابق مستعمرة إسبانية. أما وضعها القانوني فقد ظل مثار خلاف حتى قبل الانسحاب الإسباني في العام 1975/1976. وأن طرفي النزاع في هذا الصراع هما المملكة المغربية وجبهة البوليساريو. فالمغرب الذي سيطر على أغلب أراضي الصحراء الغربية منذ 1970 يشدد عل أن الصحراء الغربية يجب أن تحظى باستقلال ذاتي تحت إمرة السلطة المغربية وخلال المفاوضات مع البوليساريو كان يعتمد صيغة نعم/ لا للاستفتاء.
أما بالنسبة للبوليساريو فإنها تشدد على أن شعب الصحراء الغربية يجب أن يمنح حرية اختيار مستقبله الخاص عبر استفتاء يتضمن من بين ما يتضمن خيار الاستقلال. فمنذ 1975 إلى 1991 كانت هناك مواجهات مسلحة مفتوحة وقوية بين الطرفيين. لكن في عام 1991 تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين ضمن جهود الأمم المتحدة الرامية للتوصل إلى حل لهذه القضية. لكن يجب التذكير هنا أنه في الوقت الذي لم يعد الأمر يتعلق بحرب مسلحة فإننا مازلنا نواجه مرحلة تتسم بكثير من القلق والخطورة. فالأمم المتحدة تواصل جهودها لحث الطرفيين للتوصل لاتفاق والعمل على تحسين أوضاع الناس الذين تضررت حياتهم بهذه الوضع المأساوي.
– إذن، ماذا يمكن للأمم المتحدة أن تقوم به في هذا الباب؟
– منذ منتصف 1980 اعتمدت الأمم المتحدة تحت وصاية مجلس الأمن مقاربتين مختلفتين لهذا الصراع . المقاربة الأولى والتي استمرت لغاية متم 2004 كانت تقوم على مجموعة اتفاقات إطار تم وضعها أمام الطرفين للمصادقة عليها. لكن كل هذه الاتفاقات الإطار لم تحقق ما كان مرجوا منها. فكل الاتفاقات كانت تدعو لاعتماد الاستفتاء كحل . لكن طرفي النزاع لم يتوصلا قط إلى اتفاق لمن له الصفة القانونية للتصويت في هذا الاستفتاء .وفي العام 2004 تم اعتماد مرحلة ثانية ، وهي المقاربة التي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا، وتقوم على مفاوضات مباشرة بين الطرفين. وكان مجلس الأمن في قراراته السنوية يدعو الأطراف إلى التوصل الى ما أسماه بـ “الحل السياسي الدائم والمقبول من الطرفيين لتمكين شعب الصحراء الغربية من تقرير مصيره” وقد عين الأمين العام للأمم المتحدة ممثلا شخصيا ووسيطا لتحقيق نوع من التقدم وتدليل الخلافات بين الطرفين.
وباختصار، فإن مجلس الأمن ينتظر اليوم من طرفي النزاع وبمساعدة دول الجوار والمجتمع الدولي أن يتم التفاوض حول حل سياسي بمساعد الأمم المتحدة وذلك بدل تقديم ردود فعال تجاه اتفاقات الإطار السابقة.
وضمن سياق هذه المرحلة الجديدة وفي أبريل من عام 2007، قدم الطرفان لمجلس الأمن مقترحاتهم من أجل التوصل إلى حل للصراع . وعلى ضوئها تم اعتماد أساس المباحثات . وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الجهود السياسية لدعم التوصل إلى اتفاق لا تمثل الشكل الوحيد لتدخل الأمم المتحدة، فأسرة الأمم المتحدة كانت حاضرة في العديد من الجبهات حيث كان لها دور حيوي في دعم آلاف اللاجئين الذين فروا من الحروب بين المغرب وجبهة البوليساريو في عام 1970.
كما عملت الأمم المتحدة على التوصل إلى اعتماد إجراءات بناء الثقة لتسهيل عودة اللاجئين عندما يتم التوصل إلى اتفاق. هذا إلى جانب المحافظة على عدد محدود من قوى حفظ السلام الأممية لإقامة الاستفتاء في الصحراء الغربية والذين يعرفون تحت مسمى (المينورسو). وأخيرا أولت الأمم المتحدة اهتماما متواصلا بحقوق الإنسان بناء على اتهامات متبادلة بين الطرفين بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان .
– ماذا عن البعد الإنساني في هذا الصراع المستمر؟
– مع الأسف إن مطالب القضايا الملحة عبر العالم وغياب أزمة حقيقية في الصحراء الغربية كلها عملت على حرمان هذا الصراع من الاهتمام الذي يستحقه من المجتمع الدولي. لكن في واقع الأمر إن هذا الحل الذي يبدو أنه تأخر كثيرا لا يجب أن يكون على حساب الأوضاع الإنسانية. فتأمين عودة اللاجئين الصحراويين من الجزائر إلى بيوتهم في ظروف إنسانية مشرفة تمثل أهم الأهداف التي أسعى لتحقيقها. فقد زرت مخيمات اللاجئين في عام 1970 وعدت هناك في العام 2009 ووجدت حينها أن مؤشرات الخوف والقلق عندي لم تتغير كثيرا.
فمن غير المقبول في نظري أن يبقى هؤلاء اللاجئون أكثر منذ 37 سنة في ظروف إنسانية سيئة بسبب خلاف سياسي دخل أطراف الصراع فيه في حرب مفتوحة وغير منتهية على الأرض أولا ثم انتقلوا بعدها إلى مائدة المفاوضات ثانيا. فالمجتمع الدولي وأنا شخصيا لا يجب أن نترك هؤلاء الناس الذين حوصروا في معمعة هذا الصراع عرضة لمزيد من الضياع.
– لماذا يصعب في نظركم التوصل إلى حل لهذه القضية، ولماذا أخذت كل هذا الوقت؟
– الأمر يعود بالأساس إلى أن الطرفيين معا مصران على موقفين متباعدين وأن أي منهما لم يقدم على خطوة واحدة إلى الأمام. فالبوليساريو تواصل تأكيدها على أن الحل النهائي للصحراء الغربية يجب أن يتم تحديده من قبل مواطنيها (الصحراويين) ، في حين أن المغرب يؤكد بدوره أن الحل الوحيد الممكن هو حكم ذاتي متفق عليه وتحت السيادة المغربية.
إن مجلس الأمن يسعى إلى تشجيع الأطراف على التفاوض وينأى بنفسه عن فرض حل ما. ومادامت الأمور على ما هي عليه فإن كل طرف هو حر في رفض مقترح الطرف الآخر وذلك بناء قاعدة ومبدأ المفاوضات المعروف. وهذا الأمر يكشف أن كل طرف يتمسك بموقفه الذي يعتبره قائما على أسس تاريخية قوية، ويعزز طرحه بالقانون الدولي ويستمرئ أي نوع من أشكال الدعم داخلية كانت أم خارجية. وبالتالي فإنهما يكتفيان بالتمسك بموقفهما دون الدخول في مسار مفاوضات حقيقي.
– ماذا يمكنكم القيام به كوسيط للأمم المتحدة للدفع بهذا المسار إلى الأمام؟
– إن دوري كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة هو البحث عن التوصل لاتفاق ما، وذلك من خلال أولا إيجاد إطار للمفاوضات وثانيا تشجيع الأطراف على تبني مفاوضات حقيقية دون أن أكون صاحب موقف في الموضوع. أنا شخصيا لا يمكنني أن أفرض حلا على الأطراف المعنية، فهم المعنيون بالتوصل إلى الحل، وأنا هنا فقط للمساعدة.
فمنذ اللحظات الأولى لتسلمي لهذه المهام، قمنا بوقف آلية المفاوضات الرسمية السابقة التي كانت تعتمد على أساس وفود كبيرة، وفضلنا بالمقابل عقد مباحثات غير مباشرة بوفود تمثيلية صغيرة نسبيا. وذلك لأن المفاوضات الرسمية السابقة لم تخلف سوى كم هائل من السجالات السياسية الفارغة. فنحن مصرون على خلق جو من الاحترام أثناء المفاوضات حتى نصل إلى نوع من النقاشات الهادئة والمفاوضات السلسة. فقد توالت الجهود تباعا، لكنها لم تكن كافية لكسر حالة الجمود. لأن الطرفان – بكل بساطة – لم يخرجا بعد من إطار مقترحاتهما السابقة. وما قمنا به في الآونة الأخيرة هو محاولة تحطيم هذه المقترحات والانتقال إلى وضع واحد بعينه يمكن للطرفان من البحث فيه دون أحكام مسبقة بصرف النظر عن الوضع النهائي. وقد اتفقوا على أنه يمكن البدء بمناقشة الثروات الطبيعية وإزالة الألغام في الصحراء الغربية وبعدها الانتقال إلى قضايا أخرى .لكن الأمر ما زال في حاجة إلى البحث فيما إذا كانت هذه المقاربة قد تقود إلى القضية الأساس.
– لكن، ماذا سيقع في حال ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي؟
– إن عدم التوصل إلى حل سياسي زاد م من حجم الأخطار المتنامية وتكلفتها سواء بالنسبة لطرفي النزاع أو على مستوى المنطقة المغاربية أو حتى على صعيد المجتمع الدولي.
فالأخطار المرتبطة بطرفي النزاع تشمل إمكانية العودة إلى المواجهات المسلحة واندلاع الاحتجاجات الاجتماعية وكذا إمكانية انخراط الشباب الصحراوي المحبط والمعطل في تنظيمات إرهابية أو مجموعات إجرامية. أما بالنسبة لتكاليف هذا الوضع فتشمل زيادة محنة اللاجئين الصحراويين المحاصرين، وتنامي الأسئلة المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان إلى جانب استمرار النفقات العسكرية المتزايدة، وعدم القدرة في وضع مخطط لاستثمار الثروات الطبيعية في الصحراء الغربية على الوجه الأكمل.
أما بالنسبة للمنطقة المغاربية والمجتمع الدولي فهناك خطر التصعيد العسكري إلى جانب إمكانية ارتفاع معدلات الإرهاب والأنشطة الإجرامية. أما بالنسبة للتكاليف فتتحدد في فشل الاستفادة من نتائج اندماج اقتصادي كبير وغياب التنسيق الشامل للاستجابة الفورية للإرهاب والجرائم المتوقعة، يبدو أنها تصاعدت بوثيرة كبرى منذ سقوط نظام معمر القذافي وانتشار الأسلحة والمقاتلين إلى عمق منطقة الساحل.
– وهل تعتقدون بإمكانية التوصل إلى حل معين؟
– هناك من يعتقد بأن الصراع في الصحراء الغربية غير ناضج بما فيه الكفاية للوصول إلى حل مقبول بالنسبة للطرفين والمجتمع الدولي. لكن من الواضح أيضا أن المنطقة المغاربية في حاجة إلى اتفاق يدفعها إلى الأمام لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين.
ومن الواضح أيضا أن التطورات الأخيرة قد تشجع الأطراف لبدء مسلسل جديد من المفاوضات. فالربيع العربي ، وهذا الصعود المتنامي لحالة عدم الرضا لدى الشباب، إلى جانب الانتخابات المزمع إجراؤها في أكثر من مكان، وهذه الرغبة الجامحة في تفعيل هياكل اتحاد المغرب العربي، وكذا الوعي المتزايد بأخطار الإرهاب، كل هذه العناصر إلى جانب تطورات أخرى قد تدفع أطراف النزاع التزام حقيقي وربما تدفع باللاعبين الأساسيين في المنطقة المغاربية والدولية على العمل أكثر في البحث عن حل.
أما من جهتنا نحن، فسنواصل جهودنا لإيجاد مسار مفاوضات حقيقية. والجولة المقبلة ستكون مباحثات غير رسمية وهي مبرمجة في فبراير المقبل.
– وماذا بإمكان المجتمع الدولي أن يقوم به للمساهمة في إيجاد الحل؟
– اعتقد أن هناك أشياء يمكن أن توجه ليس فقط لطرفي النزاع ولكن لدول الجوار وللمجتمع الدولي:
فبالنسبة لطرفي النزاع نأمل أن نرى التزاما أكبر حول القضية الأساس المتعلقة بمستقبل وضعية الصحراء وذلك خلال السنة المقبلة، فلا يمكن الاكتفاء بمباحثات مستمرة على أساس مواقف جامدة. فالحل السياسي يجب أن يعكس إرادة سياسية وخطوات حقيقية إلى الأمام. كما نأمل أن يتم تأمين الاحترام الكامل لحقوق الإنسان لدى شعب الصحراء الغربية سواء الموجودين منهم تحت سلطة المغرب أو أولئك الذين يقيمون في مخيمات اللاجئين، بما في ذلك حق حرية التعبير عن آرائهم بشأن مستقبلهم، وسيأخذ المفاوضون هذه الجوانب بعين الاعتبار في جولات التفاوض.
أما بالنسبة لدول المغرب العربي وباقي المجتمع الدولي، فإننا نأمل بأن ينظروا اليوم قبل أي وقت مضى لمصالح كافة الأطراف المعنية والمساهمة بفعالية في يجاد حل مقبول.
بعد 37 سنة، فقد حان الوقت لإنهاء الصراع في الصحراء الغربية والمأساة الإنسانية التي خلفتها.