التعليم العمومي بالمغرب : إلى أين ؟

التعليم العمومي المغرب

Publicités
Publicités
Publicités
Publicités
Publicités

تقديم

يعاني التعليم العمومي المغربي من أزمة خانقة وصلت حد التدمير الممنهج والتصفية بسبب الاختيارات اللاشعبية واللاديموقراطية واللاوطنية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة المغربية، رغم ادعاءاتها الكاذبة للعديد من الشعارات الفارغة مثل “إصلاح المنظومة التربوية” و”ربط التعليم بالتنمية” و”مواجهة تحديات العولمة” و”الاستجابة لسوق الشغل”… هذه الشعارات تهدف بالأساس إلى ذر الرماد على العيون وزرع الانتظارية ومحاولة تملص الدولة من مسؤوليتها في التمويل وتكبيل المقاومة الشعبية لتلك المخططات الرجعية والتراجعية.

وإذا كانت الحركة الديمقراطية و التقدمية متفقة اليوم على أن نظامنا التعليمي لا يستجيب لطموحات شعبنا ولمتطلبات التنمية والتقدم والنهوض بالمجتمع، فإن هذا يعتبر تأكيدا لمواقفها السابقة التي كانت تنتقد السياسات التعليمية المتعاقبة وأسباب فشلها ومسؤولية الدولة عنها. ويتجلى ذلك في مواقف القوى الحية ببلادنا كالنقابة الوطنية للتعليم العالي والاتحاد الوطني لطلبة المغرب والنقابات التعليمية والجمعيات الحقوقية والفعاليات الديمقراطية المناضلة.

سنحاول من خلال هذه الورقة الوقوف على الوضع العام الذي يمر منه المغرب على المستوى الدولي والجهوي والوطني. بعد ذلك سنقوم بإعطاء نبذة أولية للسياسات التعليمية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال الشكلي إلى اليوم، ثم سنتطرق للقضايا التي تؤرق نساء ورجال التعليم العالي، مع اقتراح بعض الأفكار العامة للنهوض بالتعليم عموما، وبالجامعة المغربية والتعليم العالي على الخصوص.

1 – سمات الوضع الراهن


أ – دوليا :

يتميز الوضع باستمرار الهيمنة الإمبريالية الأمريكية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والثقافية بعد انهيار التجربة الاشتراكية في أوروبا الشرقية وتراجع حركات التحرر والمقاومة الشعبية، مستمدة هيمنتها من قوتها العسكرية و النووية وسيطرتها على منابع النفط وخضوع العديد من الأنظمة الرجعية في العالم العربي لها وفي دعمها للكيان الصهيوني. هذه القطبية المهيمنة على العالم أصبحت اليوم تخضع لمنافسة من طرف إمبرياليات أخرى مثل الاتحاد الأوربي واليابان ومن دول أخرى كروسيا والصين، وكذا من اقتصاديات صاعدة مثل الهند والبرازيل.

على المستوى الاقتصادي، فإن السمة البارزة هي سيطرة النيوليبرالية وسيادة الرأسمال المالي والمضارباتي المعولم المؤدي إلى تفاقم أزمة الرأسمالية، مما يجعل الإمبريالية الأمريكية وأذنابها أكثر عدوانية و شراسة لبسط سيطرتها على اقتصاديات وخيرات العالم والتحكم في مصير الشعوب عن طريق المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة…

هذه الأوضاع انعكست على المستوى الاجتماعي بتفاقم الفقر والبطالة والهشاشة الاجتماعية، مما أدى إلى بروز مقاومة شعبية في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وفلسطين واليونان ولبنان والعراق وشمال إفريقيا وحتى في الشارع الأوروبي والأمريكي، و ذلك من خلال تململ الحركات العمالية واليسارية و الحركات الاجتماعية العالمية التابعة للمنتديات الدولية (احتلال وول ستريت، حركات المستائين الشعبية بإسبانيا، الحركة الطلابية بفرنسا وكندا، ومعارضة سياسات بوتين بروسيا.

ب – عربيا ومغاربيا :

لا زالت سيرورات التغيير في العالم العربي مستمرة. فبعد أن تمكنت من إسقاط أنظمة استبدادية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن بفضل احتدام الصراع، إلا أن ضعف القوى الديمقراطية وتجدرها داخل الفئات الكادحة ووجود مظاهر قوى أخرى مناهضة للتغيير ومحاولة الالتفاف على الحركات الاجتماعية المناضلة وتدخل الإمبرياليات بالتنسيق مع قوى متحالفة معها، عطل هذا التغيير خصوصا تلك الأنظمة الرجعية بالمنطقة العربية.

أما في الشرق الأوسط، فلا زال الاحتلال الغاشم الصهيوني يبسط سيطرته على أرض الشعب الفلسطيني البطل، ويستمر مسلسل التنكيل الهمجي والبربري ضد الأبرياء في تواطؤ مكشوف لهيئة الأمم المتحدة والمنتظم الدولي، وأمام صمت مريب للأنظمة العربية الرجعية. ورغم كل هذا، تستمر المقاومة الشعبية لهذا الاستعمار المباشر.

ج – وطنيا :

يتميز الوضع الاجتماعي والاقتصادي بتدهور الأوضاع المعيشية لأوسع الفئات الشعبية جراء تجميد الأجور لسنين عديدة والإجهاز على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين من خلال استمرار مسلسل الزيادات المهولة في أسعار المواد والخدمات الأساسية كالزيت والسكر والخضر واللحوم والسمك والمحروقات والنقل والاتصال والماء والكهرباء…، وبانتشار ظاهرة التسول والتشرد والإجرام في صفوف القاصرين وتكريس ظاهرة التفقير الجماعي للجماهير الشعبية، وبالطرد التعسفي والجماعي للعاملات والعمال وإغلاق المعامل ومحاولة فرض السلم الاجتماعية بالقمع والتنكيل بالمناضلين الشرفاء، وتفشي العطالة حتى في صفوف حاملي الشواهد العليا، واستمرار التضييق على الحريات العامة وعلى الحق في الإضراب والتظاهر والحق في التعبير عن الرأي وتفشي الفساد الإداري ونهب خيرات الشعب المغربي مع استمرار الإفلات من العقاب عن الجرائم السياسية والاقتصادية، مما عمق الفوارق الطبقية بين قلة من المحظوظين والأغلبية الساحقة من الكادحين والمهمشين، بالإضافة إلى استمرار ظاهرة الحصار الأمني وقمع الحركات الاحتجاجية (المعطلون، 20 فبراير، العمال، حركة المطالبة بالسكن اللائق، الطلبة…).

لقد تعاقبت السياسات اللاشعبية المطبقة لتوصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة، والمنصاعة لسياسات التقويم الهيكلي بتفويت القطاعات العمومية الإستراتيجية وتحرير السوق الداخلية للاستغلال الفاحش من طرف الرأسمال الأجنبي والمحلي الطفيلي، وبسن قوانين تراجعية في مجال الصحة والتعليم والشغل والسكن وباقي الخدمات العمومية، والتدبير المفوض (النقل، النظافة، توزيع الماء والكهرباء…) بتواطؤ المسؤولين، ونهب المال العام وتمرير هذه الصفقات في ظروف مشبوهة لا تحترم فيها حتى دفاتر التحملات وبنود العقود المبرمة وفي غياب أية مراقبة أو مشاركة شعبية فعلية ديمقراطية، وتغييب المواطنات والمواطنين. ينضاف إلى هذا إغراق الدولة المغربية تحت وابل من الديون التي يجهل المواطن المغربي متى وكيف حصلت وكيف صرفت، بالإضافة إلى تفويت الأراضي الفلاحية والقطاعات العمومية إلى ذوي النفوذ.

لقد عملت الحكومات المتعاقبة على تحميل هذه الأزمات الخانقة والمتتالية التي يعرفها اقتصاد المغرب إلى الجماهير الشعبية الكادحة بحيث تم إثقال كاهل المواطنين/ات من خلال الزيادة في الضرائب والسماح للمضاربين والاحتكاريين بفرض أسعارهم وبالاستعداد لضرب صندوق التقاعد ومحاولة الزيادة في سنه وتصفية صندوق المقاصة وإقرار قانون يكبل الإضراب. لكن الجماهير، وأمام الغلاء الفاحش والفقر المدقع وتدني الخدمات الاجتماعية في مجالات الصحة و التعليم وصعوبة الولوج إلى الشغل والسكن اللائق، ومع تراجع الخوف لديها من بطش الحكم القائم بفضل حركة 20 فبراير، فإن نضالاتها تصاعدت خاصة في المناطق المهمشة من خلال مسيرات واعتصامات وإضرابات ووقفات احتجاجية.

2 – واقع قطاع التربية و التكوين بالمغرب

بخصوص قطاع التربية والتكوين، فالسياسات المتعاقبة لا تعير الاهتمام الكافي للأوضاع المزرية للعاملين بهذا القطاع من موظفين وطلبة وتلاميذ، ولا تهتم بتلاشي البنيات التحتية ولا بانعدام التجهيزات الضرورية لإنجاز مهام التدريس والبحث والتأطير. لقد تم الإجهاز على قطاع التعليم بخوصصته ليكون حكرا على نخبة معينة داخل المجتمع في إطار إعادة نفس النخب، كما تم فتحه على الاحتكار والاستثمار لفائدة الرأسمال الأجنبي والمحلي الطفيلي تمهيدا لتسليعه وتبضيعه. وبالموازاة مع هذه الإجراءات اللاشعبية يتم تحميل مسؤولية فشل إصلاح المنظومة التربوية لنساء ولرجال التعليم، في حين أن السياسات التبعية والاختيارات الكبرى للبلاد كانت دائما حكرا على الدولة، وهي المسؤولة الرئيسية عما آل إليه وضع التعليم في المغرب وما لهذه الاختيارات والسياسات العمومية من انعكاسات خطيرة على جميع المرافق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في علاقتها مع تماسك المجتمع وتقدمه وتطوره الديمقراطي.

ولتسليط الضوء على ما جرى في هذا المجال سنقدم نبذة سريعة عن كرونولوجية الأحداث منذ الاستقلال الشكلي إلى اليوم.

عملت الدولة منذ نهاية الخمسينيات على ربط الاقتصاد المحلي بالسوق الإمبريالية بهدف إجهاض إرادة الشعب المغربي في الانعتاق والتحرر الوطني، والترويج للهيمنة الفكرية للإمبريالية والرجعية وتثبيت الحكم لمرتكزاته المبنية على النهب والاستغلال وتسخير خيرات البلاد لخدمة مصلحة الكتلة الطبقية السائدة ومصالح الإمبرياليين. فمرورا باللجنة الملكية لسنة 1957، عرفت مرحلة ما بعد 1960 سلسلة من الهجومات الخطيرة على مجموعة من المكتسبات للجماهير الشعبية توجت بقرار بلعباس، وزير التعليم آنذاك، الهادف إلى ترسيم نخبوية التعليم وطبقيته، ووصولا إلى مشروع بنهيمة الذي عرف مقاومة قوية من لدن الطلبة والتلاميذ والأساتذة إبان انتفاضة 23 مارس المجيدة سنة 1965 التي عبر فيها الشعب المغربي وقواه الحية عن سخطهم ورفضهم لهذه السياسات، والتي ووجهت بالقمع الشرس (القتل والاعتقالات، المحاكمات الصورية، الطرد…).

في نهاية الستينات عرفت المرحلة مدا نضاليا للطبقات الكادحة ضد الشعارات الجديدة للدولة المغربية مثل “المغرب الجديد” و”المسلسل الديمقراطي” و”السلم الاجتماعية” و”الإجماع الوطني” و”تقوية الجبهة الداخلية”، أخذ هذا المد شكل حوار مع النقابات. وفي هذا السياق جاءت مناظرة إفران الأولى سنة 1970 لطمس الواقع التعليمي المتردي وللجم أي رد فعل جماهيري تجاه هذه الأوضاع، وكذا محاولة تمرير الإصلاح الرامي إلى اجتثاث الحركة الممانعة تحت شعار “ربط التعليم بالتنمية”. ورغم كل هذا القمع والتسلط، كانت هناك مقاومة من طرف الحركة التلاميذية والطلابية بحيث اقتيد مناضلو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قسرا ليستمعوا مباشرة لخطاب رئيس الدولة آنذاك، حيث صب عليهم وابلا من التهديد والوعيد بحضور الأحزاب الوطنية والنقابات التعليمية ليتم الحظر سنة 1973 على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب واعتقال ما تبقى من مسئوليه.

في سنة 1980 انعقدت مناظرة إفران الثانية والتي جاءت بإجراءات وقرارات تصفوية ضد الجامعة والطلبة تشرعن ضرب مبدأ تعميم المنح وتكريس الطرد في صفوف الطلبة وعسكرة الحرم الجامعي بدخول “الأواكس”.

وهكذا استمرت معاناة التعليم بالمغرب مع سياسة الارتجال ومسلسل الإصلاحات المعمقة لأزمته والعاجزة عن تحقيق حتى المبادئ الأولى المتفق عليها مبدئيا، وهي التعميم والتعريب والتوحيد والمغربة. وفي سنة 1994 تشكلت اللجنة البرلمانية المكلفة بإصلاح التعليم والتي أنجزت تقريرا يحافظ في مجمله على مجانية التعليم، والذي تم رفضه من طرف الدولة. وبعد التقرير الشهير لسنة 1995 من طرف البنك الدولي، والذي صنف المغرب من بين الدول المنحدرة والمتخلفة في ميدان التعليم، بادرت الدولة من جديد إلى تشكيل لجنة ملكية كلفت بصياغة الميثاق الطبقي للتربية والتكوين سنة 1999 والذي اعتبرناه آنذاك إطارا لتصفية التعليم العمومي وتشجيع التعليم الخصوصي وتسهيل انسحاب الدولة من مسؤوليتها في التمويل. وقد تجسد ذلك في العديد من الشعارات من بينها ”الشراكة” والانفتاح على العالم السوسيو اقتصادي، وبأن ”التعليم مسؤولية الجميع”. إلا أنه بعد فشل المرحلة الأولى من الميثاق، سارع المسؤولون إلى إنجاز مشروع ارتجالي آخر سمي بالبرنامج الاستعجالي 2009/2012، والذي تم طبخه في غياب النقابات التعليمية والأحزاب السياسية، مما يعد استهانة بالنقابات واحتقارا لهم، بل حتى الحكومة لم تطلع على هذا المشروع إلا بعد تقديمه في جلسة مع الملك لفرض سياسة أمر الواقع، مما يطرح سؤالا مشروعا حول الجهات التي كانت تقف وراء هذا العمل والظروف والملابسات التي حكمت أسباب نزوله، ومن أهمها الاعتراف الضمني بالفشل الدريع للميثاق. ومن أهم تجليات البرنامج الاستعجالي الشرعنة التعسفية لكل التدابير المالية والإدارية الموجهة لضرب مجانية التعليم وتعزيز خوصصته. يتجلى ذلك في تفويت البنايات التعليمية العمومية مجانا إلى الخواص ودعم المستثمرين في قطاع التعليم الخصوصي ماليا مع إيلاء جميع المهام الخارجة، ما عدا مهمة التدريس، إلى القطاع الخاص، وإحداث ثانويات نموذجية في الأكاديميات ومنحها دعما ماليا خاصا وتعيين أساتذة نموذجيين بها، مما يعد ضربا لمبدأ تكافؤ الفرص وتكريسا للطبقية بهذا القطاع من خلال خلق نوعين من المؤسسات التعليمية : مؤسسات نموذجية بالأحياء الفاخرة تحظى باهتمام خاص من طرف الرأسمال، ومؤسسات عادية مهمشة لأبناء الشعب تعاني من الإهمال الشديد مما يكرس إعادة إنتاج النخب والطبقات السائدة.

ولقد تضمن هذا المشروع إحداث صندوق الدعم المدرسي الذي قد تساهم فيه فعاليات المجتمع من جماعات محلية وشركات ومقاولات وأولياء التلاميذ والطلبة. ويقر كذلك المشروع برسوم التسجيل في الجامعة مع تسهيل القروض للطلبة وأوليائهم بالفائدة، وهي قروض سخية تقدمها الأبناك والشركات المتعددة الاستيطان يقف وراءها البنك العالمي تمهيدا للسماح للرأسمال الأجنبي والمحلي للاستثمار في هذا القطاع. ويكرس المشروع انتقاء الطلبة الحاصلين على الباكلوريا في التسجيل بالجامعة كما هو الشأن حاليا في كليات الطب والصيدلة وطب الاسنان والعلوم والتقنيات وكذا العديد من مؤسسات تكوين الأطر ذات الاستقطاب المحدود. ويعتبر هذا الإجراء في حد ذاته تبخيسا لبعض شواهد الباكالوريا وبالتالي تصريحا ضمنيا بعدم الاعتراف بها خصوصا تلك التي تمنحها الثانويات المهمشة والمهملة.

أما بخصوص وضعية نساء ورجال التعليم فقد تم إثقال كاهلهم بساعات جديدة وصل عددها إلى 1.360.000 ساعة أي ما يمكن الوزارة من التملص من إحداث 960 منصب شغل بالنسبة لأساتذة الثانوي والعالي و750 منصبا بالنسبة لأساتذة التعليم الأولي والإعدادي، كما أن طريقة التشغيل أصبحت بالعقدة في إطار الجهة مما يعني إمكانية الاستغناء على المدرس في أية لحظة عند العجز عن الأداء من طرف التلاميذ وأسرهم، مما يعتبر تراجعا خطيرا عن الحق في الشغل القار وضربا للتوظيف في إطار الوظيفة العمومية وتكريسا لصفة المستخدم في الجامعة والثانوية والمدرسة.

وبعد فشل البرنامج الاستعجالي أيضا، رغم صرف الأموال المخصصة له بدون حسيب ولا رقيب وفي غياب الشفافية والافتحاص المالي لأغلب المؤسسات خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الأموال الطائلة التي خصصت والمشاريع التي تمت صياغتها في دفاتر التحملات التي لم يتم احترامها عموما، طلعت علينا الحكومة الحالية بمشروع جديد سمي بمخطط عمل الوزارة خلال فترة 2013/2016، وهو في العمق استمرار للمخططات السابقة وتكريس لنفس السياسات اللاشعبية النيوليبيرالية التي تعاقبت بالمغرب.

والملاحظ أن الدولة كانت دائما وراء كل الإصلاحات التخريبية والإجراءات اللا ديمقراطية المرتبطة بقضية التعليم، وكانت تجتهد في تطبيق توصيات المؤسسات المالية الدولية وقرارات الإمبريالية العالمية. ولقد استهدفت الدولة تكريس البعد الطبقي المتفسخ في التعليم بالمغرب وتكبيل النضال الفعلي للجماهير وزرع الأوهام والانتظارية في صفوف الفاعلين السياسيين والاجتماعين المتذبذبين والتغطية على الخلفيات الحقيقية لتلك الإصلاحات والقيام في بعض الأحيان ببعض “الروتوشات” التي لا تمس الجوهر. والحقيقة أن أزمة التعليم لا يمكن عزلها عن أزمة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الناجمة عن طبيعته وتبعيته وخدمته لمصالح الرأسمال الإمبريالي وعملائه الداخليين.

إن مجرد محاولة وضع مجانية التعليم والحق في التسجيل بالمؤسسات التعليمية العمومية محط اهتمام ونقاش يعتبر دليلا قاطعا على العداء الذي تكنه الطبقة المتنفذة وقراراتها المجحفة في حق الجماهير الكادحة ورغبتها في الإبقاء عليها في واقع الجهل والتخلف الاجتماعي ومستنقع الأمية. على العموم، فبرامج الإصلاح المتعاقبة كانت ولازالت برامج إستراتيجية ترهن مستقبل الأجيال في يد الرأسمال وجاءت لتشجيع تسليع وتبضيع التعليم من خلال فتحه على الاستثمار، ولتقنين انسحاب الدولة وتملصها من التمويل، وجاءت كذلك لضرب المكتسبات الجزئية للشغيلة التعليمية والتراجع عن حق الجماهير الشعبية في التعليم.

3 – الحق في التعليم من منظور المرجعية الدولية لحقوق الإنسان


يعتبر الحق في التعليم من الحقوق الأساسية ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كفلتها جميع المواثيق الدولية والإقليمية. ولعل أهمية التعليم تكمن في تمكين وتقوية الحقوق الأخرى. فبغير التعليم الكافي والمناسب، لا يستطيع الإنسان أن يعرف حقوقه الأخرى ولا أن يميز حالات انتهاك حقوقه ولا يمكنه أن يدافع أو يتملك باقي الحقوق. وقد ورد الحق في التعليم في العديد من المواثيق والإعلانات الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها الخاصة :

– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 26،

– العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مادته 13،

– اتفاقية حقوق الطفل في المادة 28 وفي المادة 23 التي تتعلق بالطفل المعاق،

– اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة في المادة 10.

من هنا نلاحظ أهمية وإلزامية ومجانية التعليم في المواثيق الدولية. إلا أن الدستور المغربي ربط الحق في التربية والتعليم بالشغل دون التفصيل فيه، بحيث أن الصيغة التي ورد فيها جد فضفاضة وغير واضحة ولم تضع الآليات الكفيلة بضمان هذا الحق، في حين أن الميثاق الذي حدد التوجهات الكبرى للسياسة التعليمية من خلال المرتكزات والغايات والدعامات اعتبر التعليم وسيلة من أجل تطور المجتمع وتنمية الشخصية المغربية، ولم يؤكد على مسألة الحق في التعليم. ولقد خلق تطبيق الميثاق تراجع صورة وجاذبية المدرسة العمومية وارتفاع نسبة الأمية وانخفاض نسبة تمدرس الأطفال الذين هم في سن التمدرس وتزايد بطالة حاملي الشهادات بالإضافة إلى تدهور البنيات التحتية لأغلب المؤسسات التعليمية كانعدام المراحيض والماء والكهرباء خاصة في العالم القروي، وتراجع الاعتمادات المخصصة للتربية والتكوين وانخفاض نسبة التأطير التربوي.

ما هي انعكاسات هذه السياسات
على واقع التعليم العالي والبحث العلمي اليوم ؟


أ – بيداغوجيا :

نقص في التأطير البداغوجي والتقني والإداري،
ضعف وسائل الاشتغال في مجال البحث العلمي والتربوي (مختبرات، تجهيزات، وسائل ديداكتيكية ووسائل الخرجات الميدانية في الجغرافية، البيولوجيا، الجيولوجيا، …)،
قلة أو انعدام الاعتمادات المالية المخصصة لتكوين الماستر والإجازات المهنية.

ب – البنيات :

قلة في البنيات التحتية من قاعات الدروس والأشغال التطبيقية والتوجيهية ومدرجات ومكاتب الأساتذة والموظفين في مجموعة من المواقع الجامعية،

الاكتظاظ بسبب عدم ملائمة بنيات الاستقبال في الجامعات مع أعداد الطلبة،

الأوضاع المزرية في بعض المؤسسات والتي لا تليق بالتعليم العالي، انعدام النظافة والمرافق الصحية وصيانة المرافق الإدارية ومحيط المؤسسات.

ج – التسيير الإداري :

– سوء التسيير والتدبير المالي والإداري في بعض مؤسسات التعليم العالي،

– عجز بعض المسؤولين محليا وجهويا عن التدبير والتسيير والحوار البناء،

– تطاول عدد من المسؤولين محليا وجهويا على اختصاصات المجالس المنتخبة وعدم احترام قراراتها،

– عدم احترام المقتضيات القانونية المنظمة للتعليم العالي (القانون 01.00 على علاته)،

– التعثر الملحوظ في استكمال أشغال بناء المدرجات والقاعات والتجهيزات في بعض المؤسسات،

– ضعف الطاقم الإداري في مجموعة من المواقع (الخزانات الجامعية، مكتبات…)،

– النقص في الميزانيات والموارد البشرية في مجموعة من المراكز الجامعية الاستشفائية.

د – البحث العلمي :

– غياب سياسة وطنية في مجال البحث العلمي،
– هزالة ميزانية البحث العلمي،
– تعقد المساطر المالية وصعوبتها،
– تشتت وتعدد الجهات المكلفة بالبحث العلمي.

5 – مطالب استعجالية


– توفير الظروف الملائمة لإنجاز مهام التدريس والبحث (اللوجيستيك، العنصر البشري، التخصصات والبنايات…)،
– احترام بنود دفاتر التحملات الخاصة بالوحدات والمجزوؤات والمسالك المعتمدة، الأشغال التطبيقية والتوجيهية، المراقبة المستمرة،
– إحداث أحياء ومطاعم بكل المدن الجامعية،
– احترام حرمة الجامعة واعتماد المقاربة البيداغوجية والتربوية عوض المقاربة الأمنية،
– ملائمة التشريعات المحلية والمواثيق الدولية وسموها لضمان الحق في التعليم للجميع.

6 – مسؤوليتنا كنقابات وأحزاب


لقد ظلت قضية التعليم محط صراع بين الدولة من جهة والقوى الحية من جهة أخرى، باعتبار أن أزمة التعليم إشكالية اجتماعية وأن الحل سياسي متعدد الأبعاد لا يقبل المساومة والتأجيل وهو مرتبط بالمشروع المجتمعي المنشود بمراقبة شعبية، وهذا يقتضي خطة نضالية محكمة تقطع مع التجارب السابقة وتتجاوز الانتظارية.

وقد اقتصر دور القوى الحية في ”البلوكاج” أو ردود الفعل الآنية التي تختفي بسرعة، إلا أن سياسة الدولة استمرت إلى يومنا هذا إما عن طريق المناورة السياسية أو المقايضة أو بنهج أسلوب العنف والقمع والاعتقالات.


7 – أي تعليم نريد؟


يقتضي تحقيق المجتمع الديمقراطي الحداثي وضع ميثاق تربوي ديمقراطي جديد عنوانه التعليم الديمقراطي الشعبي الوطني العلماني الموحد،

التشبث بمجانية التعليم وجودته باعتباره حق إنساني من حقوق الإنسان وخدمة عمومية تولج دون تمييز أو انتقاء،

اعتبار التعليم العمومي شرطا لا محيد عنه لتقليص الفوارق الطبقية،

التزام الدولة بموجب مسؤوليتها وبمقتضى وظيفتها والتزامها وما تفرض من ضرائب على المواطنات والمواطنين بضمان هذا الحق،

وجوب توحيد التعليم في جميع أسلاكه وضمان استقلاليته الفكرية عن الدين وعن السلطة، وحث رجال ونساء التعليم بالتحلي بالسلطة العلمية والبيداغوجية،

ضرورة استمرار التكوين وإعادة التكوين لنساء ورجال التعليم من خلال متابعة الدراسات العليا وتحفيزهم ماديا وإداريا على ذلك،
ربط التعليم بالصناعة والفلاحة مع التكوين المستمر للعاملات والعمال والتقنيين الفلاحيين من أجل الرفع من الإنتاج بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي للمجتمع،

توقيع الدولة والتزامها بالمعاهدات الدولية التي تضمن الحق في التعليم وملائمة وسمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على القوانين المحلية واعتمادها ضمن المناهج التعليمية ونشر ثقافة حقوق الإنسان،

إقرار مبدأ انتخاب جميع المسئولين الإداريين وفق برامج مرحلية لإنقاذ التعليم العمومي والابتعاد عن منطق التعيين ضمانا لربط المسؤولية بالمحاسبة،

استعمال الوسائل الديداكتيكية الحديثة في التدريس وتسهيل عملية الاستيعاب والتلقين.

يقتضي هذا بالنسبة لنا كجامعيين :

– التشخيص بدقة للوضعية الحالية للتعليم العالي والاعتماد على الإحصائيات ومقارنتها مع دول أخرى،
– أن يكون تصورنا للتعليم العالي مرتبطا بالأسلاك الأخرى للتعليم الأساسي والثانوي،
– ربط تصور الجامعة بالمشروع المجتمعي المنشود انطلاقا من مرجعية ومبادئ النقابة الوطنية للتعليم العالي.
– اعتماد جامعة بمعايير متعارف عليها دوليا في خدمة المجتمع الديمقراطي الحداثي لضمان الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة لكل أفراد المجتمع.

8 – فيما يخص الجبهة الوطنية للدفاع عن التعليم العمومي


إننا مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالمزيد من الجرأة الفكرية والنضالية والعمل المتواصل والدءوب لتشكيل جبهة وطنية للدفاع عن التعليم العمومي ذي المقومات الشعبية المرتبط بالهوية السياسية الديمقراطية والتقدمية والمنفتحة على النقابات التعليمية والتنظيمات الشعبية وعلى الطلبة والتلاميذ وعموم المواطنات والمواطنين، غايتها العمل باستشارة أو توجيه من مرصد للدراسات والأبحاث الإستراتيجية، وتوكل مسؤولية تسييره إلى كفاءات متخصصة في المسألة التربوية والتكوين والاقتصاد والفلسفة والعلوم بصفة عامة، كما يتمتع هذا المرصد بالاستقلالية عن الدين والسلطة.

على مستوى البرنامج، ينطلق عمل الجبهة بندوات فكرية محلية وجهوية ووطنية مرتين على الأقل في السنة، الأولى لتسطير البرنامج والخطط والثانية للتقييم والتقويم. وتواكب هذه الندوات بمسلسل من الاحتجاجات والوقفات والاعتصامات محليا وجهويا ووطنيا دفاعا عن التعليم العمومي ومجانيته وجودته.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
Publicités