
الجزائر مالي المغرب الساحل أزواد الطوارق
سعيد الركيزية
الجزائر في 22 يونيو 2014
السيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون.
المرسل إليه الرئيسي: مديرية المغرب الكبير، وشؤون اتخاذ المغرب العربي.
المسلسل إليه للإخبار: مديرية الشؤون الإفريقية.
الموضوع: قراءة للتحركات الأخيرة للدبلوماسية الجزائرية إزاء الأزمة في مالي.
سلام تام بوجود مواتنا الإمام
وبعد، فأشرف بإخباركم أنه أمام التطورات المتسارعة التي تعيشها منطقة الساحل والصحراء، ركزت الجزائر اهتمامها بملف الأزمة المالية، حيث عملت في الأشهر الأخيرة، وإلى جانب الزيارات المكوكبة التي يقوم بها وزير الخارجية، رمطان لعمارة، على عقد لقاءات بين عدد من الحركات بشمال مالي، والتي توجت بإتفاقيات، قدمها الجانب الجزائري على أساس أنها بمثابة تمهيد لحوار شامل، تحت رعايتها، وجمع هذه الفصائل والحكومة المركزية بباماكو.
ويظهر أن الطرف الجزائري الذي تمكن من استقدام هذه الفصائل منذ بداية شهر يونيو الحالي، يسعى لأن تحضى جهوده في هذا الملف، بنوع من المصادقية من قبل الشركاء والقوى الدولية والإقليمية، على غرار الأمم المتحدة، والاتحادين الإفريقي والأوروبي، الأمر الذي يوضحه ترامن تواجد هذه الفصائل مع زيارة وزير خارجية فرنسا للجزائر في 8 يونيو، وأشراك القوى المذكورة في أشغال الدورة الثالثة للاجتماع التشاوري حول مسار الحوار في مالي، الذي احتضنت الجزائر في نفس الفترة. كما أنها عملت على اعتنام فرصة انعقاد الدورة الـ 41 لمجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي في جدة، والذي كان مسوقاً باستماع لمجموعة الاتصال لهذه المنظمة حول مالي، للتعريف بدورها كوسيط رئيسي في مسار المصالحة بين الماليين.
وفي نفس الإطار، تم التوقيع بالجزائر، بتاريخ 14 يونيو الحالي، على « رَضْوِيَّة تَمْهِيدِيَّة »، من طرف ثلاث مجموعات ناشطة في الشمال المالي، وهي « الحركة العربية للأزواد »، والتنسيقية من أجل شعب الأزواد، وتنسيقية الحركات والجبهات القومية للمقاومة ». ومن بين ما تضمنت الوثيقة الموقعة، تأكيد الحركات الثلاث على « الاخترام التام للوحدة الترابية، والوحدة الوطنية لمالي ».
وسبق هذا اللقاء، بأقل من أسبوع، وبالجزائر العاصمة أيضاً، اجتماع آخر تم يوم 10 من نفس الشهر، جمع ثلاث حركات أخرى، وهي « الحركة الوطنية لتحرير الأزواد »، والمجلس الأعلى لتوحيد الأزواد، والحركة العربية للأزواد، نتج عنه توقيع ما أسْمَتْهُ بـ « إعلان الجزائر »، مؤكدة من خلاله إرادتها في العمل على « تعزيز دينامكية التهدئة الجارية، ومباشرة الحوار الشامل بين الماليين ».
وعقب التوقيع على الوثيقتين، أعلن الطرف الجزائري في بيان مشترك، أنه « سيواصل جهوده، وسيقود مسار المفاوضات الخاص بالمرحلة الأولى للحوار الشامل بين الماليين »، داعياً في هذا السياق، المشاركين في الاجتماع الوزاري، وكذا المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لـ « تخاذ الترتيبات لدعم المسار الذي سيجري بالجزائر في
شهر يونيو المقبل ».
جاء تأكيد هذا التوجه أيضاً، في بيان تَوَّج أشغال الدورة الرابعة للجنة الثانية الإستراتيجية الجزائرية المالية حول شمال الي، والتي انعقدت بالجزائر يوم 15 يونيو، حيث أوضحت بعض النقاط الـ 12 التي تضمنها البيان. إن الأحداث الحاصلة في شمال مالي، تؤكد على « ضرورة الاستجابة لحوار مالي- مالي، لتحقيق المصالحة ».
كما أشار البيان، إلى أن الطرف الجزائري، أكد بأن الحركات الست في شمال مالي، ملتزمة بـ « حوار بناء مع السلطات المالية، من أجل إنهاء الأزمة في الشمال، والذي يتم من خلال التكفل بالمطالب المشروعة لشعوب المنطقة، والتأكيد على احترام الوحدة الوطنية ».
وحمل البيان المشترك كذلك، صفة « إِثْرَام » بخصوص التمويل بمباشرة الحوار بين الماليين من أجل المصالحة، وكذا بحث الحركات الست ينبني حوار فاعل مع حكومة باماكو إنهاء الأزمة، مع تجديد التأكيد على حماية الوحدة الترابية.
ومن جهة أخرى، تَوَّجَت هذه اللقاءات، بعقد الدورة الثالثة للاجتماع الرفيع المستوى، حول مسار الحوار في مالي، يوم 16 يونيو الحالي، بمشاركة الجزائر، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد، وموريتانيا، إلى جانب الاتحاد الإفريقي، ورئيس بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما).
وعموماً، فإن الاجتماع، الذي جرت أشغاله في جلسات مغلقة، خَصَّصَ التأكيد، على « ضرورة مواصلة الحوار والتشاور للوصول إلى اتفاق نهائي بين السلطات المركزية في باماكو، ومختلف الحركات في شمال مالي »، مع التشديد أيضاً، على « ضرورة الحفاظ على سيادة دولة مالي وحرمتها الترابية ».
كما اجتمع المشاركون، على أن كل الشروط متوفرة لتحقيق تقدم من أجل إقرار السلام بمالي، وأعربت جل المداخلات أيضاً، ولا سيما ممثلي الجزائر وبلدان الساحل، عن « استعدادهم الكامل، وعزمهم الأكيد، على مساعدة الحركات المالية ».
ومن جهتهم، أشاد كل من مبعوث الأمم المتحدة البر جبرار، وممثل الاتحادالإفريقي، إبراهيم بويويا، وممثل الاتحاد الأوروبي، بـ « الدور الفعال الذي تلعب الجزائر في مساندتها القوية لوحدة شعب مالي، وللاستقرار الأمني والاستقرار بالشمال، وجلوس كل الأطراف إلى طاولة المفاوضات ».
كما حملت إرادة الأطراف المالية المشاركة، والمدعمة بجهود الجزائر، رئيس البعثة الأممية لمالي، البر جبرار، على القول: « إن المبادرات الأخيرة تبعث أمل لمسار السلام »، مؤكداً أن « مكانيات إحراز تقدم نحو السلام في مالي باتت واردة »، مشدداً على « أن للوقت أهمية بالغة، إذ يتعين إبقاء هذه المحطات الإيجابية لضمان انسجام الكبار على المحادثات، وتحضير ورقة الطريق في أقرب الآجال ».
وفي سياق مماثل، تناقلت صحف محلية، تصريحاً لمدير العمليات الإنسانية بهيئة الأمم المتحدة، بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، الذي يصادف 20 يونيو من كل سنة، والذي أشار فيه، إلى أن أعمال العنف والمواجهات في « كيدال » وحدها، أدت إلى « ترحيل آلاف العائلات داخل البلاد، وكذا لجوء بعضها إلى دول الجوار، في مقدمتها الجزائر، حيث قُدِّر عددهم بـ 135 ألف لاجئ مالي، من بين 18 ألف نازح ولاجئ منذ الأحداث الأخيرة فقط »، مشيراً إلى أنه « في حال لم توفر الجزائر حلاً شاملاً للماليين عن طريق وساطتها في الحوار بين حكومة باماكو والمسلحين الماليين، فإن الأوضاع الإنسانية ستعرف تأزماً كبيراً، وقد تصل إلى حد الكارثة ».
وعلى صعيد آخر، رافقت تحركات الدبلوماسية الجزائرية بشأن ملف شمال مالي، حملة إعلامية قوية، تعمد البعض منها، استعراض جهود الدبلوماسية الجزائرية منذ بداية النزاع في شمال مالي، في حين، اعتبر البعض الآخر، مختلف اللقاءات التي احتضنتها الجزائر، بمثابة « تطورات إيجابية في قضية الأزمة بشمال مالي »، و »دليلاً فعلياً على صحة المقاربة الجزائرية، الداعية إلى حل القضية بطرق سلمية، من خلال حوار مالي – مالي، ومصالحة وطنية، وصيانة وحدة التراب المالي، وسلامة وأمن أبنائه ومؤسساته ».
كما اعتبرت أطراف ثالثة، هذه التحركات، بمثابة « انطلاقة جديدة تمنح للشركاء الدوليين، التوضيحات اللازمة للمضي قدماً في مسار السلام والمصالحة الوطنية في مالي، لا سيما بعثة الأمم المتحدة إلى مالي ».
وأشارت إلى أن « معالم الوساطة » التي قامت بها الجزائر، بشأن هذه الأزمة، تبرز من خلال « رصد مواقف مختلف لأطراف، وخاصة المكونات المالية، حيث حظيت بترحيبوإشادة من الجميع، وزادها الترحيب الفرنسي، والاتحاد الإفريقي، زخماً أكبر، وإقراراً بأن الجزائر استطاعت بفضل وسطية مقاربتها، أن تجمع ما لم يتمكن أي وسيط آخر أن يجمعه
على طاولة الحوار ».
والجدير بالإشارة، إلى أن الإعلام الجزائري، تغاضى بشكل مقصود، الحديث عن الحركات المالية الأخرى التي لم تشارك في هذه اللقاءات، أو تلك التي أعلنت عن « تبرئتها مما توصل إليه بعض ممثليها في هذه المفاوضات ».
والملاحظ أيضاً، أن الحملة الدعائية الجزائرية، لم تستثنِ المغرب في تعليقاتها وتحاليلها، حيث أشار البعض منها إلى أنه « في ظل استمرار توتر العلاقات بين المغرب وفرنسا، فإن هذه الأخيرة تقدم دعماً كبيراً للجزائر في الشؤون الإقليمية، ومنها وساطتها فيملف أزمة مالي، هذا الملف الذي تحول إلى صراع إقليمي بين المغرب وموريتانيا والجزائر، علماً أن فرنسا تتدخل بأشكال متعددة ».
وأوردت في هذا الصدد، أن وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، قام بزيارة إلى الجزائر لـ « الرفع من مستوى التنسيق بين البلدين في ملف أزمة مالي، ومنها دراسة عملياتمشتركة، وإقامة محطة للتنصت في شمال هذا البلد الإفريقي في الساحل ».
وتُوِّبِعَت هذه الزيارة، بزيارة مماثلة لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، تدارس خلالها مع نظيره الجزائري، رمطان لعمامرة « الملف نفسه، إلى جانب ملفات ثنائية وإقليمية أخرى، ومن بينها الملف الليبي ».
ما عادت هذه التحاليل أيضاً، إلى مضمون التصريح الذي أدلى به فابيوس للصحافة، والذي أكد فيه أن فرنسا والجزائر « تتفقان حول قضايا إقليمية، وتشركان الرؤية نفسها ». مشيرة إلى أنها « تسير في نفس الاتجاه الذي ذهبت إليه تصريحات لعمامرة ».
وتابعت الصحافة الجزائرية في تحليلها بالقول إن باريس والجزائر « تعملان على الرفع من مستوى التنسيق بينهما في ملف أزمة مالي، في وقت يجري فيه تهميش المغرب في كل الإجراءات الأمنية، حيث تشترط الجزائر استبعاد الرباط من التحركات الإقليمية، بسبب عدم امتلاكه حدوداً مع مالي ومناطق النزاع، وكذا لكون كل التحركات تتم بتنسيق مع
الاتحاد الإفريقي، الذي انسحب المغرب من عضويته ».
وبعد إشارتها إلى أن موريتانيا « عمدت بدورها، إلى تهميش المغرب في أزمة مالي بشكل ملفت، بعدما احتضنت قمة أمنية لدول الساحل ورفضت توجيه دعوة للمغرب كعضو مراقباً، في الوقت الذي حضرت فيه دول أخرى، مثل فرنسا وإسبانيا والسنغال »، تابعت القول بأن فرنسا « كانت تحرص على استحضار المغرب في ملفات مثل هذه، ولكنها عدلت
عن ذلك، منذ اندلاع الأزمة بين البلدين بسبب قرار القضاء الفرنسي استدعاء مدير المخابرات المدنية المغربية عبد اللطيف الحموشي، للتحقيق معه بتهمة التعذيب (المزعوم) لمواطنين فرنسيين من أصل مغربي، وقرار المغرب لاحقاً تجميد التعاون الدبلوماسي والقضائي ».
وخلص الإعلام الجزائري، إلى أن تحركات دبلوماسية الجزائر، تنبني أساساً على « النأي عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، سواء سياسياً أو عسكرياً، وعدم التموقع بجانب أي فصيل داخل البلدان التي تشهد أزمات »، وبأنها معروفة كذلك، بـ « تبني منهج الحوار الجامع غير الإقصائي، مع إعطاء الأولوية للحلول الداخلية والإقليمية والابتعاد عن التدخل الخارجي ».
وتفضلوا بقبول فائق التقدير.
Source : Alger-318





الجزائر #مالي #المغرب #الساحل #أزواد #الطوارق#
Leave a Reply