المغاربة ليسوا “دون البشر”.

من يتابع المغرب في الإعلام سيلاحظ أن هناك مغربان: المغرب هو الذي نعيش فيه كل يوم، والثاني هو الذي يحاول أن يفرض علينا في إعلام السلطة ومن طرف مجموعة من أذرعها السياسية، الظاهرة منها والخفية..

Publicités
Publicités
Publicités
Publicités
Publicités

منذ مدة غير قصيرة والسلطة تشن حرباً ضروس على مناصري الصنف الأول، وتعتقل صحفييه، وتضيق عليهم بهدف ترهيبهم وتقزيم حجمهم حتى يفسحوا المجال للصنف الثاني لأداء مهمته..

هكذا أصبحت الأحكام في حق معتقلي حراك الريف وجرادة، ومعاركهم الاحتجاجية من داخل السجن، وإضرابات التجار، ومعارك الأراضي السلالية مع مافيات العقار، كلها مجرد “لا حدث”، أو في عداد “حلقة الصمت”، على حد تعبير السوسيولوجية الالمانية “إليزابيت نيومان”، بينما طغت القضايا الجانبية، والتافهة أحيانا، مثل التركيز على ذلك تصريح أساء النطق باسم انفلونزا الخنازير، والسعي الى تنجيم صاحبه la starisation، على حساب الربورتاجات والحوارات الجادة التي من شأنها أن تسلط الضوء على مخاطر وتداعيات وباء خطير اسمه إنفلوانزا الخنازير.

على كل حال، عندما فشل هذا الرأي العام “المزيف” في الصمود أمام الشبكات الإجتماعية، امتدت يد السلطة إليها لكي تستأصل المشوشين على الصورة التي تريد أن تفرضها على الناس قسراً..

هكذا مثلا، حكمت محكمة تطوان أمس بالحبس لمدة سنة سجنا نافذا على مدون دعا على صفحته في الفيسبوك الى الاحتجاج ضد جريمة مقتل الطالبة حياة على يد البحرية الملكية خلال الصيف الماضي..

قضية حياة، في الواقع، ليست سوى واحدة من القضايا التي يلتقيها فيها “المغربان” لأنها تفرض نفسها في أعلى هرم اهتمامات الرأي العام، بينما تسائل رأس هرم السلطة بشكل مباشر ومن دون وسيط، فيستسلم دعاة المغرب المزيف لسلطة الواقع، ليجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما:

إما الخلوذ إلى الصمت، أو التمادي في التزييف، وكلاهما يثيران السخرية أكثر من أي شيء آخر..

وقد رأينا جميعا كيف صمت كل الذين يؤثثون المشهد السياسي والإعلامي إزاء هذه الجريمة، ولم يستطيعوا حتى التعليق عليها، حتى أن زعيمة سياسية تلعثمت بشكل يثير السخرية عندما عجزت عن الإشارة إلى مكمن الخلل كما لو أن الرصاصة التي قتلت حياة مجرد رصاصة طائشة أو سقطت من السماء لا يعرف مصدرها..

بالإضافة إلى حياة هناك قضية ثانية من هذا الطراز وهي جريمة العفو عن مغتصب الأطفال وقد واكبنا جميعا أطوارها ومآلها.

القضية الثالثة هي معاش بنكيران الذي تسلمه من الملك مباشرة، ومع ذلك يتم غض الطرف عن الملك مقابل إطلاق النار على بنكيران وحده، مع العلم أن المستهدف من النقد هو الريع، وأن الوازع من ورائه هي المحاسبة الأخلاقية والسياسية، ولكن الملك، الذي وجد نفسه وسط الزوبعة، مستثنى تماما من مدفعية النقد..

قد يقول قائل إن الدستور جعل الملك فوق المحاسبة.. وهذا كلام جميل.. غير أن المغاربة ليسوا “دون البشر”.. وهذا وحده كاف للمطالبة بتغيير الدستور..

وإلا فلنعلنها دكتاتورية صريحة لأن القليل من المصداقية الذي تحظى به اللعبة السياسية الحالية يتبخر تماما عندما تجد المنظومة نفسها أمام هذه المآزق، ويتبخر معها مغرب الإعلام الزائف.

الديمقراطية هي الحل.

Said Salmi

Visited 1 times, 1 visit(s) today
Publicités

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*